منتديات وكالة عفرين للأنباء | AF.N
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصة كردستان الأم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
moderator
المدير الــعــام
المدير الــعــام
moderator


ذكر عدد المساهمات : 182
تاريخ الميلاد : 01/01/1986
تاريخ التسجيل : 01/10/2014
العمر : 38
العمل/الترفيه : مدير مواقع الكترونية
المزاج : ثورة روج آفا

قصة كردستان الأم  Empty
مُساهمةموضوع: قصة كردستان الأم    قصة كردستان الأم  Emptyالخميس أكتوبر 02, 2014 11:40 pm

kani welat



ناجي خيري
أفقت من نومي مذعوراً والساعة الواحدة ليلاً لأرى من الطارق.. وإذ بي أمام فتى شارخ يعلو صدره وهبط بشدة وأنفاسه تشهق وتزفر بنصب وكلال.. يزحر ويطحر.. وقلبه ليكاد يطير لكثرة خفقاته وعظم دقاته.. كأنه كان يعدو من مسافة بعيدة أو يخوض معركة رهيبة.. يرتدي سروالاً مخرفجا منطقه ومجدلا مسوقه وعليه عباءة سوداء شفة.. يختفي تحتها سيف صمصامة يبعث القوة والشجاعة في نفس حامله.. كتب على جانبه الأول "الحرية" وعلى الثاني "الاستقلال" وله قبضة مخضبة باللون الدموي القاني الذي يرمز إلى الثورة في وجه الظلم والعبودية والاستعمار...
وعلى كتفه بندقية مرماة تكاد يندلع من فوهنها كالبركان المتفجر.. ويتمنطق بمدخر العيارات النارية يغذي البندقية كلما جاعت..
لقد كانت هيئة الرجل مجلة لا تدل إلا على أنه من سكان الجبال الشامخة أو الأدغال المكتظة النائية.
وما ان حد جني بنظره الثاقب حتى لفني بساعديه وضمني إلى صدره بحنان وراح يقبلني بحرارة الشوق والدموع مترقرقة في مآقيه وهو يلهج بروح الإخوة وعطفها: أخي.. أخي... وسرعان ما تواردت الخواطر إلى مخيلتي ودارت الأفكار في ذاكرتي ورحت أتسال.. من ترى ذلك الأخ الذي لم تحدثني عنه أمي ولم يخبرني عنه أبي..؟!.
حقاً لم يكن لي إخوة غير أشقائي الثلاثة الذين يرقدون على أسرتهم متلذذين بأحلامهم في نومهم ألهني... إذن هل الفتى مجذوب أو به مسَّ...؟!.
لا.. لا. اذ كيف يسوغ للمجانين ان يحملوا أسلحة وعتاداً... ولكنه قطع تفكيري بقوله: أمك.. أمك.. أمك تدعوك..
زادت كلماته هذه في دهشتي وكادت تذهب بصوابي..
أجبته.. أين أمي..!! ما بها أمي..!! ولكنه أطرق ولم يجب.. أنه أخي قبلناه كما قبل سوادي الهمذاني بصداقة عيسى بن هشام.. أما ان يجعل لي أما غير أمي فهذا ما لا يرتضيه العقل ولا يقبله المنطق.
فدخلت الدار عساي أن أقع على سره واصل إلى غايته ومطلبه.. وبدأ حديثه.. بنبرات متقطعة وتنهدات متصاعدة وحسرات متتالية تنم عن أسى عميق في النفس كمين وآلام دفينة في الجسم مزمنة.. وقال:
-نحن ملايين عدة نجباء أم واحدة. كدت افقد صوابي لولا أنني تمالكت وأمسكت بزمام نفسي لأرى النهاية – وأردف: أمنا التي عمرت ألافا من السنين المديدة وهي ما تزال في عنفوان شبابها وريعان صباها.. هل تسمع يا أخي بناطحات السحاب..؟ قلت: بلى..!! قال لقد شيدت لنا أمنا قصوراً شامخات تضاهي ما يسمونه بناطحات السحاب ومن ثم صفت عليها النمارق وبثت فيها الزرابي وأحاطت بها حدائق غلبا وفاكهة أبا.. تترقرق فيها جداول من فضة وأنهار من ذهب..
فيها العنادل تشدو طليقة مبتهجة والبلابل تغرد فرحة مستبشرة لا يحبسها قفص ولا يحجز حريتها حاجز.. ألفت المكان وألفها.. ونحن.. نحن يا أخي.. كنا نرتع في ربوعها ونسرح جميعاً في رعاية أمنا الرؤوم.. هازجين مرحين لا يعكر صفونا معكر ولا يؤثر على سعادتنا مؤثر..
تجمعنا في كل يوم لتقرأ علينا صفحات من ماضيها المجيد وتقص علينا لمحات من تاريخ حياتها العتيدة.. "آه.. أمي..أمي."
وأخذ يبكي بكاء مراً.. فهونت عليه أمره وأنا بين الدهش والعجب.
قلت: أكمل حديثك يا أخي.. ان قلبي كاد أن يتفطر..
قال: وكيف لا.. وهل أمي غير أمك.. أنها تدعوك.. تدعوك.. يا أخي: أسرع.. أسرع..
قلت: إلى أين..؟! قال: إلى المستشفى انها بين الحياة والموت.. فامتثلت للأمر.. وارتديت ثيابي.. فألقى إلي بنظرة شزر... وقال: هل هذه ثيابك..؟! قلت بلى! قال: خذ بل هذه.. وألقى بحقيبة فيها لباس مثل لباسه.. وسلاح مثل سلاحه وقال ألبس فإن أمنا لا تقابل ابناءها إلا بهذا..
فشعرت بالنشاط يدب في عروقي وبالحياة تسري في جسدي وبالنوم يذوي وبالنعاس يبعد عني.. حتى غدوت صورة طبق الأصل له..
ومن ثم رافقته إلى المستشفى.. وهناك.. كانت أمي- التي عرفني عليها- فتاة ملقاة على الأرض تئن انيناً مفزعاً وعليها آثار لمخالب حيوان..
وكأنها علمت بمقدمنا.. فالتفت ألينا وقالت.. هل احضرتم الدواء.. الدواء.. ! أريد أن أعيش عاجلوا بالدواء قبل أن يستفحل الداء.. ثم راحت في سبات عميق كأنها أغمي عليها..
قلت لأخي المزعوم- أن كانت هذه أمنا.. فلم لا تأتي بالدواء..؟! أجاب وهو يصعد الزفرات وينفث الآهات: أنه صعب المثال بعيد النوال.. اللهم الا اذا اجتمعنا جميعاً نحن ابناؤها واتحدنا وصرنا كتلة واحدة.. أنذاك يمكن لنا ان نعيد لها حياتها من جديد.. قلت: وما بها..؟! قال: ألعلك ترغب ان تعلم حادثتها..
قلت: هات ما عندك..!!
قال: كنا جميعاً أطفالاً صغاراً ترعانا أمنا بحنانها وتعطف علينا برأفتها وإحسانها...
وفي أحدى الأمسيات.. أكفهر الجو فجأة وتلبدت السماء بغيوم داكنة واقبلت ريح صرصر عاقبة.. فكنت تسمع قصف الرعد وهزيمه ولمعان البرق ووميضه حتى طرق إلى مسامعنا زئير أسود كاسرة وعواء ذئاب مفترسة.. وأخذت تتدافع على الباب وتهجم عليه هجوماً تطلبنا طعاماً لها وردا لغائلة جوعها.. فأخذنا نصرخ ونستنجد ولكن كانت صراخاتنا تذهب مع الريح واستنجاداتنا تذهب إلى المريخ..!! حتى اقتحم الباب فانفضوا انفضاض الصاعقة علينا.. ففزنا بأرواحنا وخرجنا فارين هاربين لا نلوي على شيء.. نطلب ملجأ نأوى اليه أو كهفا نركن فيه..
وهكذا شردونا وتشتت شملنا.. فعطفت علينا أمهات عربيات فأرضعتنا بلبانها واسكنتنا بلدانها..
والان بعد ان نمت عقولنا وكبرت اجسامنا رأينا أنا في حاجة إلى أمنا.. فرحنا نبحث عنها.. واذ هي كما تراها...!
وماذا قال الطبيب..!!
قال ليس لها من دواء سوى ان تؤخذ عصارات من كبد الذئاب والوحوش الذين هاجموها واقتحموا دارها.. آنذاك يمكن لها ان تستعيد حياتها وتحتفظ بكينونتها الى أبد الدهر.
قلت ومن أين لنا أن تأتي بعصارات كبد هؤلاء الوحوش الضارية قال: نستطيع ذلك بالكفاح المستمر والنضال الدائم والتكاتف والتعاضد فيما بيننا.. آنذاك يمكن أن نتغلب على العدو بسهولة وننقذ أمنا.. أمنا كردستان.. كردستان.. انها هي با أخي.. هنا علمت كل شيء.. علمت ان افنى لم يكن بهذي ولم تكن به جنة بل كان صادقاً فيما يقول..
أن الجبال الشامخات التي أوجدتها لنا طبيعة كردستان حقاً لتضارع ناطحات السحاب وأين لناطحات السحاب من جبال كردستان وهل أجمل من حدائق كردستان التي هذبتها يد القدرة وأين يد الانسان منها وما لانهار الذهبية والجداول الفضية سوى تلك الثروات الطبيعية من بترول ومعادن والى ما هنالك مما خبأته لنا من كنوز دفينة تلك هي الأم.. أمنا كردستان عاشت أمنا.. عاشت كردستان.

-جريدة الحرية، العدد /9/ في 7 أيار عام 1957م.
-جريدة الحرية، العدد /10/ في 21 أيار 1957م.
-نشر ايضاً في جريدة الوعي العربي، العدد /95/ في الابعاء 17 تموز 1957م. السنة الثانية.
- الروائي الكبير المبدع ناجي خيري: المولود في ديرالزور عام 1935م والثائر على الظلم.

المصدر: الكتاب: من أدب القضية- إعداد: دلاور زنكي و أحمد شهاب. الطبعة الأولى- خاصة- المانيا- برلين. 2011

ساعد في نشر والارتقاء بنا عبر مشاركة رأيك في الفيس بوك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://afrinnews.yoo7.com
 
قصة كردستان الأم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  حمي : أي تحرش أو اعتداء من الـ (ب ي د) تجاه تشكيل قوة عسكرية كوردية سيتحمل النتائج أمام الشعب والتاريخ
»  أهلاً بك أخي أمير كردستان
» كردستان الدولة الغير موجودة
» أهلا بك أخي الفاضل عكيد كردستان
» اكتشاف مدينة عمرها 4 آلاف عام في كردستان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات وكالة عفرين للأنباء | AF.N  :: منتدى كردستان الادبي :: منتدى عالم القصص والحكايا-
انتقل الى: